سورة الكهف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ} أي: كما أنمناهم في الكهف وحفظنا أجسادهم من البلى على طول الزمان فكذلك بعثناهم من النومة التي تشبه الموت {لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} ليسأل بعضهم بعضا واللام فيه لام العاقبة لأنهم لم يبعثوا للسؤال.
{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ} وهو رئيسهم مكسلمينا {كَمْ لَبِثْتُمْ} في نومكم؟ وذلك أنهم استنكروا طول نومهم ويقال: إنهم راعهم ما فاتهم من الصلاة فقالوا ذلك.
{قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا} وذلك أنهم دخلوا الكهف غدوة فقالوا فانتبهوا حين انتبهوا عشية فقالوا: لبثنا يوما ثم نظروا وقد بقيت من الشمس بقية فقالوا: {أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} فلما نظروا إلى طول شعورهم وأظفارهم علموا أنهم لبثوا أكثر من يوم.
{قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} وقيل: إن رئيسهم مكلسلمينا لما سمع الاختلاف بينهم قال: دعوا الاختلاف ربكم أعلم بما لبثتم {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ} يعني يمليخا.
قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر: بورقكم ساكنة الراء والباقون بكسرهما ومعناهما واحد وهي الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة.
{إِلَى الْمَدِينَةِ} قيل: هي طرسوس وكان اسمها في الجاهلية أفسوس فسموها في الإسلام طرسوس.
{فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} أي: أحل طعاما حتى لا يكون من غصب أو سبب حرام وقيل: أمروه أن يطلب ذبيحة مؤمن ولا يكون من ذبيحة من يذبح لغير الله وكان فيهم مؤمنون يخفون إيمانهم وقال الضحاك: أطيب طعاما وقال مقاتل بن حيان: أجود طعاما وقال عكرمة: أكثر وأصل الزكاة الزيادة وقيل: أرخص طعاما.
{فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} أي: قوت وطعام تأكلونه {وَلْيَتَلَطَّفْ} وليترفق في الطريق وفي المدينة وليكن في ستر وكتمان {وَلا يُشْعِرَنَّ} ولا يعلمن {بِكُمْ أَحَدًا} من الناس.


{إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} أي: يعلموا بمكانكم {يَرْجُمُوكُمْ} قال ابن جريج: يشتمونكم ويؤذونكم بالقول وقيل: يقتلوكم وقيل: كان من عاداتهم القتل بالحجارة وهو أخبث القتل وقيل: يضربوكم {أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} أي: إلى الكفر {وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} إن عدتم إليه. قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا} أي: اطلعنا {عَلَيْهِمْ} يقال: عثرت على الشيء: إذا اطلعت عليه وأعثرت غيري أي: أطلعته {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} يعني قوم بيدروس الذين أنكروا البعث {وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} قال ابن عباس: يتنازعون في البنيان فقال المسلمون: نبني عليهم مسجدا يصلي فيه الناس لأنهم على ديننا وقال المشركون: نبني عليهم بنيانا لأنهم من أهل نسبنا.
وقال عكرمة: تنازعوا في البعث، فقال المسلمون: البعث للأجساد والأرواح معا، وقال قوم: للأرواح دون الأجساد فبعثهم الله تعالى وأراهم أن البعث للأجساد والأرواح.
وقيل: تنازعوا في مدة لبثهم. وقيل: في عددهم.
{فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} بيدروس الملك وأصحابه {لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا}.


{سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} روي أن السيد والعاقب وأصحابهما من نصارى أهل نجران كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجرى ذكر أصحاب الكهف فقال السيد- وكان يعقوبيا-: كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم وقال العاقب- وكان نسطوريا-: كانوا خمسة سادسهم كلبهم وقال المسلمون: كانوا سبعة ثامنهم كلبهم فحقق الله قول المسلمين بعدما حكى قول النصارى فقال: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ} أي: ظنا وحدسا من غير يقين ولم يقل هذا في حق السبعة فقال: {وَيَقُولُونَ} يعني: المسلمين {سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ}.
اختلفوا في الواو في قوله: {وَثَامِنُهُمْ} قيل: تركها وذكرها سواء.
وقيل: هي واو الحكم والتحقيق كأنه حكى اختلافهم وتم الكلام عند قوله ويقولون سبعة ثم حقق هذا القول بقوله: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} والثامن لا يكون إلا بعد السابع.
وقيل: هذه واو الثمانية وذلك أن العرب تعد فتقول واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية لأن العقد كامن عندهم سبعة كما هو اليوم عندنا عشرة نظيره قوله تعالى: {التائبون العابدون الحامدون} إلى قوله: {والناهون عن المنكر} [التوبة- 112] وقال في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا} [التحريم- 5].
{قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} أي: بعددهم {مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ} أي: إلا قليل من الناس. قال ابن عباس: أنا من القليل كانوا سبعة.
وقال محمد بن إسحاق: كانوا ثمانية قرأ: {وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} أي: حافظهم والصحيح هو الأول.
وروي عن ابن عباس أنه قال: هم مكسلمينا ويمليخا ومرطونس وبينونس وسارينونس وذو نوانس وكشفيططنونس وهو الراعي والكلب قطمير.
{فَلا تُمَارِ فِيهِمْ} أي: لا تجادل ولا تقل في عددهم وشأنهم {إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا} إلا بظاهر ما قصصنا عليك يقول: حسبك ما قصصت عليك فلا تزد عليه وقف عنده {وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ} من أهل الكتاب {أَحَدًا} أي: لا ترجع إلى قولهم بعد أن أخبرناك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8